ضبط النفس هو الوصفة التي تُقَدَّم للعرب. هذا هو السقف الأعلى لما يمكن أن تقدمه أميركا، فيما تقدم الحصانة والدعم اللامحدود للدولة الصهيونية، وهي الحصانة نفسها التي حصل عليها قسراً، ومن منطق القوة، الجندي الأميركي في العراق، فأصبحت جرائمه لا تعد ولا تحصى. ارتكازاً على هذه الأرضية، وتستمر جرائم الدولة اليهودية في فلسطين، وحديثاً في لبنان. تدمر دولة مستقلة على رؤوس أبنائها، ويُشَرَّد الأطفال والنساء ويحاصرون، ولا تطلب السيدة أميركا سوى “ضبط النفس”، فيما يُكال الدعم بصوت واضح من الرئيس الأميركي لسلطات الدولة الصهيونية.
الهدف الصهيوني هو تكسير أضلاع لبنان، لخلق الفوضى في أراضيه، وإعادة الخلاف إلى طوائفه، مثلما قام شريكه الأميركي بصناعة مؤسسة للفوضى والطائفية بصبر وأناة في العراق. وخلال مسيرة تأسيس الفوضى الدموية الأميركية في العراق، ظهرت اعترافات “خجولة” بـ “أخطاء” في السياسة الأميركية في بلاد الرافدين، إلا أن هذه الأحاديث لم تنتج تغييراً يذكر في تلك السياسة من بريمر إلى زلماي خليل زاد. لذلك من الواجب الحذر من تكرار مأساة العراق في لبنان، وإعادة صناعة حرب أهلية في هذا البلد الصغير. ونموذج السلطة الفلسطينية بعد تشكيل حكومة “حماس” ليس بعيداً من الصورة. ويظهر أن التفكير الإسرائيلي يهدف إلى الوصول إلى حال من الاستقرار، بخلق مجتمعات – لا دول – تعيش حالاً من الفوضى حول حدودها غير الثابتة.
يستطيع المراقب أن يفهم خضوع دول عربية لمعاهدات مع الدولة الصهيونية. لكنَّه لا يفهم امتناع هذه الدول عن اتخاذ أي إجراء ديبلوماسي بسيط، أقله سحب السفراء. أإلى هذا الحد وصلنا؟! أَسْرُ جنديين يجعل الدولة الصهيونية تدمِّر دولة كاملة. وأَسْرُ جندي واحد في فلسطين يدفعها لاختطاف وزراء ونواب وسجنهم وتدمير وحصار! الحقيقة أنها الأقوى، ولا بد من التعامل مع هذا الواقع على المديين القصير والطويل. هناك أدوات سياسية متوافرة لم تستخدمها دول عربية، فهل تعتقد حكوماتها بأنها بعيدة من الغطرسة الإسرائيلية؟ وإلى متى؟ هل تحضِّر هذه الحكومات نفسها لهيمنة إسرائيلية اقتصادية بعد أن كانت عسكرية؟
لقد اعترف عمرو موسى بأن عملية السلام ماتت، وبأن علينا ألا نستمر في الضحك على أنفسنا. المواطن العربي البسيط كان يرى أنه لم تكن هناك عملية سلام حقيقة لتموت، ولم يكن يضحك على نفسه إطلاقاً، ولا يمكن أن ينطلي عليه تصريح لرئيس الحكومة البريطانية يطالب فيه بالعودة إلى “خريطة الطريق”، لأنها حلقة في مسلسل الضحك علينا.
وتجربة أبي مازن حاضرة. وصلت السياسة العربية أخيراً إلى قناعات الرأي العام العربي، وفي الوقت الذي يقف فيه الجميع مع لبنان شعباً وأرضاً، لا بد من أن يفكر الساسة العرب، أولاً، في إيقاف العدوان الإسرائيلي الوحشي، والتحضير لتغيير جذري في السياسة العربية الخارجية تجاه كيان متوحش… حتى لا نستمر في الضحك على أنفسنا، ونواصل ضبط النفس حتى نختنق!
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط