كلما شاهدت فواكه موسم الصيف تهطل في الأسواق تذكرتُ حادثة وقعتُ قبل سنوات وابتسمت. ومن دون إطالة، تتلخص الحادثة في أن إحدى الشركات الزراعية حاولت شراء موقف صحيفة أو بعض الصحافيين بصناديق فاكهة! نعم صناديق فاكهة. كانت فاكهة الموسم، نضرة ولذيذة ومتنوعة: خوخ، كمثرى، مشمش. والكميات أكبر من أن تحفظها الثلاجات المنزلية. هطول الكَرَم الفاكهي المفاجئ جاء لسبب: الصناديق التي حملها عمال الشركة في سيارة مبردة إلى موقع الصحيفة في ظهيرة حارقة، من دون إذن، وكأنهم يجلبونها إلى السوق، هدفها طمس شكوى من مواطن قدمها ضد هذه الشركة، والمثل الشعبي يقول: “الجود من الموجود”، الهدية جاءت بدعوى “تذوق المنتجات الوطنية”!
ولأنّ أبطال هذه الحادثة لم يعودوا في المواقع نفسها، فليس هناك فائدة لذكر الأسماء. أيضاً يعلم القارئ الكريم أن ذكر الأسماء غير محبب لدينا إلا عند الحصول على الجوائز وترقيات. هناك حوادث أعظم وأكبر أثراً تدخل في قائمة الجرائم، لا تُذْكَر أسماء أبطالها حتى لو صدرت فيها أحكام قضائية!
الحقيقة أن النفس البشرية ضعيفة، وهي- لدى فئة من البشر – أضعف ما تكون أمام “المجّاني”، حتى لو كان “زبالة” بغلاف لامع. هذه الفئة من الناس تؤمن بمثل شعبي آخر يقول: “ما جاء بلاش ربحه بين”! و”البلاش” يعني بلا كلفة. في الحادثة التي رَوَيْتُ ملخصا لها الكلفة قد تبدو غير منظورة للأعين الزائغة! ولأن إنشاء الشركات الجديدة المساهمة المقفلة أو المشرعة الأبواب أصبح هو المطر الوحيد الموعود الذي يهطل، وغرض بعضها “الرئيس” هو الركض لطرح أسهمها للعموم، لجني محصول وفير من السيولة من “أصحاب الوعي المفقود” الذي أجهدت المؤسسات المالية الحكومية المعنية نفسها كثيراً في توعيتهم من دون فائدة تذكر! وتركت كلاً يقول ما يريد. لهذا، ولغيره مثل أخبار هلامية أقرأها في بعض الصحف عن إنشاء شركات، أجد من الواجب عليَّ تكرار التحذير من استخدام الصحافي والصحافة في نشر غير الموثق، وغير الدقيق، وما ينتج منه من تغرير وتلاعب وإيهام للقراء بغير الحقائق.
وليس سراً أن هناك من يستأجر بعض الصحافيين بجعل معلومة خفية مفضوحة. وليس سراً أن الحملات الإعلانية تختلط أحياناً بالأخبار، إما نشراً للإيجابي مع مبالغة فيه، أو تعتيماً على قضايا سلبية. وليس سراً أن بعض الأخوة الصحافيين من المستجدّين وبعض المخضرمين لا يفرّقون بين عمل مندوب الإعلانات والمحرر الصحافي. ولا أجد مَنْ أحذّره سوى القارئ. والسبب أنني لم أرَ من جهات معنية، على رأسها هيئة الصحافيين، أي خطوة تذكر لحماية المهنة وآدابها وشرفها وحقيقة دورها. فلا يُذكر لها تدخل، لا لمصلحة صحافي مظلوم، ولا لحماية أمانة المهنة. وكما حصل ويحصل للمستهلك، فإن الأمر عينه يحدث للقارئ، وعقلك في رأسك لا بد من أن تعرف وتميز بين الغثّ والحقائق، ففيها خلاصك.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط