ما يطلبه المؤسسون

لم يتغير شيء يذكر. بقيت المعادلة مقلوبة لأجل خاطر عيون مؤسسي الشركات المطروحة للاكتتاب، ولم يعد هناك مجال للاستغراب. وصلنا إلى الحد الأعلى للدهشة. على سبيل التذكير كتبت مراراً عن صاحب الـ 99 نعجة الذي يريد خطف نعجة الفقير، حتى تقافزت النعاج أمامي، كنموذج لنسبة الطرح وعلاوات الإصدار المبالغ فيها، ولم يتغير شيء يذكر. سياسة هيئة سوق المال هي نفسها لم تتغير. الحديث عن زيادة عمق السوق شعار جميل، لكنه – في الواقع – يطَّوع لمصلحة الأقلية على حساب الأكثرية. أي عمق هذا الذي لا يطرح سوى 30 في المئة؟ شبر أم ثلاثة أشبار؟!
هل المكتتبون أطفال لا يستطيعون السباحة في العميق؟! ومنذ بداية طرح الشركات بهذا الأسلوب، منذ سنوات، وأنا اكتب وأبارك الفرص الذهبية للشركات العائلية، وتلك التي تم ترتيب أوضاعها على عجل، لتتوافق مع الشروط “العائمة”، ولا بأس من نقص هنا أو هناك.
ولأن برنامج “ما يطلبه المؤسسون”، لا يزال يعرض بنجاح منقطع النظير، في اقتصادنا، بل في سوقنا المالية العجيبة، ليحقق إنجاز العمر للقلة على حساب الأكثرية، فليس لي سوى أن أقول مبروك، اللهم لا حسد، والحساب يوم الحساب، وهنا أبارك لشركة البحر الأحمر، التي سيطرح 30 في المئة فقط من أسهمها بعلاوة إصدار مريحة للمؤسسين، ومنتزعة من المكتتبين، وعلى عادتها لم تخبرنا هيئة سوق المال، وهي المصدر الوحيد للمعلومات، كما يقال، عن حيثيات علاوة الإصدار تلك، ومبررات تقديم هذه الشركة على غيرها في الطابور الذي يحكى عنه كثيراً. أتحدث وأنا إعلامي “على قدي”، أتابع شؤون الاقتصاد المحلي.
ولأن السياسة الاقتصادية شبيهة بالسياسة المالية والنقدية في التزام الصمت، لأنه حكمة، ويغطي كثيراً من العيوب، ولا يسمح لأحد أن يمد رجليه، دعه يرفع يديه بالدعاء، المهم لا يمد رجليه.
أما المنزعجون من برنامج “ما يطلبه المؤسسون”، من الذين يعتقدون أن الجهات الرسمية مكلفة من الدولة بحماية مصالحهم، وأنهم في ذمتها، فهم بين أمرين، إما أن يذهبوا لديوان المظالم ليرفعوا قضية الظلم الواقع عليهم من جهات رسمية، أو يذهبوا لجمعية حقوق الإنسان، ليخبروها عن الأنياب التي تفتك بمدخراتهم البسيطة، وإما أن يتفاءلوا، على الأقل اسم الشركة الجديدة سيزيد عمق السوق ولو شكلاً. الشكل لدينا هو الأساس. إكثار الشركات وطرح النسبة الضئيلة منها، حتى يقال أكثر الأسواق عدداً في الشركات! أما الناس فذاكرتهم قصيرة المدى، مثل ذاكرة السمكة التي أخبرتكم عنها في مقال سابق، هم يستخدمون مثل “العفريتة” لرفع الشاحنة الكبيرة وتبديل بعض إطاراتها البالية، ثم يلقى بهم في زاوية منسية، أليسوا هم المتهمون بنقص الوعي المتجذر في تلافيف أدمغتهم المتداولة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.