أول ما عرفنا الفرقَ بين “الشفهي والتحريري” كان أثناء الاختبارات الدراسية ومنذ الصفوف الابتدائية، كان الاختبار الشفهي أكثر مدعاة لقلق الطالب، أنه يحتاج إلى حضور ذهني كامل، في وسط غير مساعد، وسط صغير، لكنه نموذج للمجتمع الكبير المبحلق، وعندما يتخرج الطالب ليلتحق بالعمل وتتعمق تجربته يبدأ في تقدير “التحريري”. مسؤولية الكتابة تختلف كثيراً عن مسؤولية الكلام المتطاير، لكن المفارقة أنه مع الوصول إلى هذه الحقيقة أقصد بها المسؤولية، يلجأ البعض إلى الشفهي، لأنه هو الممتحن ومن يضع الدرجات والتوصيات، خذ مثلاً المدير الذي يجعل من مرؤوسيه أرانب للتجارب، ولا أقول فئران تخفيفاً! فهو يوجههم شفهياً ليقُوموا هم بالكتابة عنه بتواقيعهم، وينتظر النتيجة، إذا كانت إيجابية أصبح هو البطل الإداري، أما إذا نتج عنها أمور سلبية أو اصطدام بمن فوقه وضع اللوم على مرؤوسيه أرانب التجارب، إنهم لا يفهمون ولا يتعلمون، هكذا سيقول، وهم جاهزون لأنواع الحقن الجديدة والمحاليل و “بدالهم غيرهم”، المدير من هذا النوع هو أصلاً منشفة قديمة، استُخدِمتْ من قبل، لكنه في موقعه الحالي يظهر للناس كَرَايةٍ خفاقة! وهو يستتر بالسفر أو ادعاء الانشغال ذريعةً، لأن يكتب غيره عنه، وعن طريق الهاتف يكتبون هم ما يريده هو، والذي يرفض أو يمانع أو يطلب “سواداً في بياض”، أي ورقة مكتوبة يصبح “مشاغباً” وغير متعاون، إنه بالعربي الفصيح لا يصلح “منشفة”، لهذا نشأت شريحة من “المناشف” أو الفوط بعضها ورقي يستخدم مرةً واحدةً، وبعض آخر قطني يعاد استخدامه بعد غسله “بالرذاذ المتطاير!” ويفضل أن يكون ذلك أمام الجميع، مؤهل هذه “المناشف” الوحيد القدرة على التحمل، تحمل الرذاذ البشري! واللوم والمسؤولية موقتاً، في مقابل وعد بالحماية، أو الترقية، وربما إجازة مستحقة، هذه الوعود تقدم في المكاتب المغلقة، شكل صامت من أشكال “شيّلني وأشيلك” على قول إخواننا المصريين. هاتان الشريحتان تتجانسان مع بعضهما البعض، كل طرف يغذّي الآخر، فيصبح النقص قيمة ومؤهلاً، وقد يصل الأمر في السلم الوظيفي أن تترقى “المنشفة”، حتى ولو كانت مهترئة، ففي صحوة ضمير أو ترتيب مستقبلي أناني، ربما لدواعي الخلع الاضطراري عن الكرسي يضع المدير “منشفته” القديمة في مكانه أو بجوار ذلك الموقع، فيكون لديه “منشفة” يستخدمها من بعيد، كأنه يقول: أنا الذي صنعتك، إذا احتجت “للـ…”! فأنت موجود.
وعندما تصبح “المنشفة” مديراً تبحث عن منشفة صغيرة جديدة، لقد تخرج “المدير المنشفة” بامتياز، من دورات الغسيل المركزة وجرّب أنواع المحاليل المبيضة بوجهه مرات وبقفاه مراراً، وجاء دوره، ليضع بصمته على منشفة جديدة.. “المجد للمناشف”.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط