طوفان المزورين

قضايا التزوير ليست جديدة على بلادنا. الجديد المتجدد هو استفحالها. وما زلنا على الختم بالطريقة المعمول بها منذ عقود. إذا علمنا من يقوم بصناعة هذه الأختام علمنا بعض أسباب سهولة تزويرها. إمكانات الحكومة بأجهزتها المتعددة أكبر مما هو متوافر لدى المزورين، فلماذا التوقف عند الملاحقة؟ ولماذا لا يواجه طوفان التزوير من كل جوانبه: الأسباب والفرص وإمكانات إيقاف هذا السيل؟ والسؤال الذي يطرح نفسه يقول: هل وثائقنا سهلة التزوير إلى هذا الحد؟ هذا ونحن نواجه الإرهاب والتسلل، وأشكالاً عدة من الجرائم الجنائية، لا بد من أن هناك طرقاً للمواجهة.
يقبض على عدد من العمال، فتكتشف معهم خطابات رسمية لجهات حكومية، ومختومة بأختام رسمية… أصبح هذا خبراً معتاداً. خذ هذا النموذج الطازج: “ضبط خمسة بنغلاديشيين بحوزتهم أوراق رسمية مختومة تعود لإحدى وزارات الدولة، وضبط أربعة آخرين من الجنسية نفسها بحوزتهم أوراق رسمية مختومة تعود لإدارة الجوازات”. انتهى.
لدى هذه العمالة نماذج جاهزة ومختومة، وهي لا تتوافر لكثير من المواطنين وغير المواطنين.
ومن أطرف ما قرأت من أخبار المزورين هذا الخبر: “نجحت حملة المهمات والواجبات الخاصة في الإطاحة بباكستاني بحوزته رخصتا قيادة مزورتان، وسندان بحوالتين ماليتين، إحداهما بمبلغ 100 ألف ريال والأخرى بـ82 ألف ريال، وشيك بـ8 آلاف ريال، وبطاقة تصريح دخول إحدى منشآت الحرس الوطني باسم امرأة”. انتهى. تخيل تصريحاً لدخول منشآت الحرس الوطني، وباسم امرأة! ومع من؟ مع عامل مزور! أما الحوالات فلا بد من أنها صحيحة، اسألوا عنها مؤسسة النقد والبنوك الوطنية “المعطاءة”! ربما ترد المؤسسة بقولها لا ندري أو لا يمكن… أو لم يصلنا شيء بهذا الخصوص!
أمام طوفان مثل هذا وأشكال تزوير طاولت كل ورقة رسمية تقريباً، كيف للفرد منا أن يطمئن وهو يتفحص وثيقة هل لا بد من أن يتوافر لدى كل واحد منا إلى جوار ثلاجة المنزل جهازٌ لكشف التزوير؟ ربما يستيقظ الواحد منا صباحاً وينظر في المرآة ليتأكد من وجهه هل هو حقيقي أم مزور؟ هل تريد أن تضحك، ليس على التزوير، بل على أوراق صحيحة؟ لا يزال أحد الأصدقاء يحتفظ بجوازات عمال هربوا من عنده، وسافروا لبلادهم واتصلوا عليه للنكاية، الرجل لم يكن سيئاً في التعامل معهم، لكنها موضة الهروب، وهي أحد إنجازات وزارة العمل، ومعها جسر الترحيل.
استغربت من إصراره على الاحتفاظ بها، فقال: لم أستطع استرجاع حقوق لديهم فتحولت إلى هواية! جدوى الاحتفاظ بجوازات العمالة لحفظ الحقوق مع إمكانات التزوير والمرور تلاشت، وكذا ما يقال عن دور السفارات، تلك الضمانة أصبحت وهماً، اللهم إلا أن تصبح مثل

صاحبي فتكون هواية لك. من الواجب أن نبحث عن طرق ووسائل لعلاج هذه الظاهرة الخطرة… الملاحقة مهمة إلا أنها لا تكفي.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.