الحاجة إلى الحكمة

لا يكفي تحذير المرشد الأعلى للثورة في إيران من فتنة بين المسلمين، بل يجب أن يكون القول مقروناً بالعمل. السياسة الإيرانية – سواء في العراق أو لبنان – لا تشير على الإطلاق إلى نيات نزع فتيل الفتنة، بل هي تحرّض عليها. ومن غير المقنع التبرير باستخدامها لمواجهة هيمنة أميركية بريطانية. ومع أن الدول العربية وفي مقدمها دول الخليج لم تزايد سياسياً على الملف الإيراني النووي، على رغم خطورته على استقرارها، فإن هذه المواقف لم تُحمد لها من قبل الساسة في إيران. في المقابل من المؤسف أن يمجد بعضهم صدام حسين وحكمه. هذا الرجل أدت سياساته الخرقاء إلى كوارث حلت بالمنطقة وشعوبها، وليس من العقل ولا الإنسانية أن يحكم هذا الرجل بعض العقول حتى وهو ميت! والحاجة ماسة إلى الحكمة، الأصل أن إيران دولة إسلامية كانت ولا تزال جارة للدول العربية وستبقى، والفخ الذي يدفعنا له الأميركي والبريطاني هو المواجهة معها، الحكمة تقتضى جهوداً منها ومن الدول العربية الفاعلة، وكان من الممكن للحكومة العراقية الحالية أن تقوم بدور إيجابي في هذا الصدد، فهي حققت المعادلة الصعبة: الصداقة المتينة مع الأميركي والإيراني! لكنها في هروب مكشوف للأمام هددت على لسان رئيس وزرائها “المالكي” بإعادة النظر في علاقاتها مع بعض الدول العربية، وكأن هناك علاقات من هذا النوع لها قيمة حالياً، التأثير “السياسي” العربي المعتدل في العراق يساوي صفراً، في مقابل وفود وجيوش أو ميليشيات لأطراف أخرى، ولعل من الملاحظ أن السياسة الأميركية والبريطانية لا تتذمر كثيراً من التأثير الإيراني داخل العراق بقدر ما تعلن عنه في الشأن اللبناني. هنا نقول “فتش عن إسرائيل”. والخسارة المركبة والمتعاظمة هي للعرب دولاً وشعوباً. بدلاً من محاولات الحكومة العراقية الهروب إلى الأمام بتصريحات هجومية، يجب أن تمسح تلك الصورة التي أحاطت بتنفيذ الحكم على صدام، هي صورة حملت ضغائن طائفية مشينة، فإذا كان شأناً داخلياً كما يقول المالكي، فلماذا كان التوقيت والملابسات شأناً إسلامياً، وهي مشينة لكونها كشفت تحريضاً رسمياً غير مسؤول على الفتنة التي يحذر منها مرشد الثورة في إيران وهو مرجع لهم. والقضية العراقية وعروبة العراق ووحدته المستهدفة ليست قضية عربية مع الحكومة العراقية الحالية، فهي ميدانياً أضعف من أن تواجه ميليشيات والاختراق في صفوفها معلن، القضية العراقية هي مع الأميركي والبريطاني والإيراني، وما نشر عن تنظيم مجموعات مسلحة في الجنوب العراقي ترعاها إيران، وتستهدف دول الخليج والسعودية، يجب أن يؤخذ على محمل الجد، لأن لدى إيران خبرات في استخدام اللاجئين والمعوزين، وفيلق بدر مثال حاضر، ففي حين كانت السعودية توفر ملجأ آمناً للاجئين العراقيين إبان حرب تحرير الكويت من دون استغلالهم سياسياً، كانت إيران تعد العدة وتدرب وتجهز سياسياً وعسكرياً بانتظار ساعة الصفر، ولم تكن لها قدرة على الدخول والتأثير إلا بمباركة من الأميركي والبريطاني.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.