“الفتش” هنا، لمن لا يعرفه، يعني فتح أو رفع معظم أنواع الأغطية، المادي منها والمعنوي. “تفتش” بحثاً عمّا تحجبه. واستخدمت “فتش” بدلاً من رفع أو فتح الغطاء، لأن فيه “تفتيش”، والمثل الشعبي يقول: “اللي في القدر يطلعه الملاس”، والملاس ملعقة كبيرة طويلة تصل إلى قعر القدر لاستخراج ما يحتويه، لذا لا بد من “فتش القدر”، ولأننا في معرض الأكل، هاكم هذا الخبر:
بثت وكالة الأنباء السعودية خبراً محلياً يقول، إن بلدية البطحاء في مدينة الرياض، ضبطت شاحنة تحمل 3300 من رؤوس الأغنام ومثلها من أكباد الأغنام وهي في حال سيئة، غير صالحة للشم الآدمي فكيف بالاستهلاك. وأرفقت مع الخبر صورة فريدة لتلك الرؤوس النتنة تحملها شاحنة ضخمة، وذكر أنها من مخلفات الأضاحي. ولم يُحدَّد هل هي من أضاحي الرياض أم من موسم الحج؟ “بحسب رقم الرأس”! والأسئلة كثيرة: كيف خرجت كل هذه الكميات من المسالخ؟ سواء أقطعت تلك الشاحنة ألف كيلومتر من مكة المكرمة إلى الرياض، أم من مسالخ العاصمة، وضبطت الشاحنة وهي واقفة؟ وكنت حذرت من تهريب اللحوم الفاسدة من موسم الحج، ولم أتوقع أن تصل إلى الرياض، بعد كل هذه المدة، الله وحده يعلم كم منها دخل إلى البطون والأمعاء، وأسهم في الضغط على وزارة الصحة ومستشفياتها.
نأتي “للفتش” والتفتيش، الخبر المنشور مبتور، وقصص الضبط والقبض تأتي في معظم الأحوال ناقصة، فلا أبطال لها سوى الجهة الرسمية. أوضحت الصور رؤوس الأغنام، ولم يوضح الخبر رؤوس العصابات، والشاحنة كانت واقفة، ربما فكرت الرؤوس الطريحة بعد الرحلة الطويلة فقررت الاستراحة، والقصة بحاجة إلى أبطال لم “يفتش” عنهم الخبر، أليس في السجلات مالك لتلك الشاحنة؟ وهل هي تتبع لفرد أم لشركة؟ وكيف يمكن لمثلها الوصول إلى حي في وسط العاصمة؟ مع نقاط للتفتيش نتوقف عندها؟ أليس هذا إرهاباً للمستهلك؟ وإلى متى لا يتم “فتش” الغطاء بالكامل ولا يعلن من القصص سوى أطرافها؟ إن “المواجهة الإعلامية” بنشر القبض والضبط لا تكفي لوحدها، إذا ما نشرت القصص ناقصة ورؤوس الأغنام وأكبادها شاهدة، وهي لا تشير، كما ينتظر، إلى جهود وملاحقة وبحث وتحرّ، ربما كانت الرائحة هي المكتشف والمراقب الذي أظهر هذه النفايات الملغومة، وأوضح الخبر الهواتف الآتية لإبلاغ البلديات، فاشحذوا أنوفكم واتصلوا على الأرقام الآتية (4486663 أو 4486664 أو على هاتف طوارئ الأمانة 940). ولأن معظم قصص الضبط والقبض تنشر ناقصة، فليس لي سوى رفع شعار “لا للمندي بعد اليوم”، و “لا للكوارع والرؤوس”، ومعها “الكبدة”، دعونا نتحول إلى نباتيين أو نقاطع المطاعم، إلى أن يتم “فتش” الغطاء بالكامل فيُخرج “الملاس” كل ما في القدر.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط