قبل ما يزيد قليلاً على عام واحد فقط كانت البنوك السعودية ترفض فتح حسابات للعملاء إلا بمبالغ كبيرة جداً، وضج الناس، وتشكلت صورة عجيبة ولا في الأفلام الهندية. أناس يبحثون عن بنك يحصد أموالهم فلا يجدون، حيث تشبعت البنوك وفاضت حساباتها، واحتاج البعض إلى واسطة لفتح محفظة للاستثمار في الأسهم، لم يعلموا أنها ثقب أسود سيبتلع مدخراتهم، الآن اختلف الوضع عكسياً، تبحث البنوك عن عملاء أو ضحايا جدد، تتجول مندوبات “متمكيجات” لبعض البنوك على المكاتب، والعروض سلسلة من بطاقات الأسر والقيود الفضية والذهبية الجديدة، وعادت الاتصالات الهاتفية من المسوقين البنكيين، ورسائل الإغراء، وعروض استيلاد واستنساخ البطاقات البنكية، ربما تصل إلى الخادمة والسائق! ولأن البنوك هي الوحيدة المسموح لها نظاماً بجمع الأموال فهي تتفنن بذلك، فأصبحت تجمع الأفراد والأسر في حصنها المنيع.
وفي استغفال جديد مسكوت عنه رسمياً، ربما تتحرك الجهات الرسمية “للحديث” عنه بعد سنوات، أعلنت بعض البنوك عن برامج للتقسيط من دون رسوم خدمة، ووضعت بدلاً منها رسماً للتحويل عند كل استخدام للبطاقة. بمعنى أن العميل سيدفع نسبة جشعة جديدة، وإن تغير المسمى. تستغفل البنوك عقول العملاء، وتعمل على تضخيمهم بسحب أفراد جدد منهم إلى حصنها، وفي مقابل هجومها الإعلاني التسويقي الهادر لا يوجد صوت خافت للتوعية والتحذير والتوضيح، وفيما هي تشجع على الاستهلاك وتدفع الناس إليه دفعاً، تسمع أحاديث رسمية خافتة أقرب إلى التنظير تتحدث عن فضائل الإنتاج، أما الطوفان المستفحل فهو التشجيع على الاستهلاك، وأسطوانة تنويع مصادر الدخل ليست عنا ببعيد، ولنتعلم مما حدث ويحدث، ضع هذه العبارات أمامك، “أنت المسؤول عن حقوقك، خصوصاً أمام البنوك”، “تذكر أنه إذا بقيت في ذمتك هللة لهم حرموك من النوم”، أما إذا كان “حلالك” محتجزاً في خزانتهم فلن يلتفت إليك احد، انظر حولك وقل الحمد لله الذي فضلني على كثير من خلقه تفضيلاً، من الكادحين لتسديد الأقساط، وفي مقابل طوفان التشجيع على الاستهلاك وشراء مستلزمات معظمها كمالية، غير منتجة، لا بد من أن نحصن أنفسنا، لذلك أدعوك إلى التقشف المعقول، أترك عنك ماذا فعل فلان وفلانة، ليطرح المستهلك على نفسه سؤالاً عند كل محاولة إغراء: هل أحتاج إلى هذه السلعة؟ بطاقة كانت أو جهازاً، وما مقدار هذه الحاجة؟ لأن الذين يسهلون لك امتلاكها الآن سترى منهم نجوم الظهر في رابعة النهار… قريباً، فتصرخ وتصيح وتكتب إلى الصحف وكُتّاب المقالات من دون فائدة تذكر، ولن يكون لك خيار إلا واحد من اثنين: دين وقيد جديد أو السجن.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط