فقر الصحارى والمدن

هل تصدق أن “أسرتين عاشتا في صحراء ثول أكثر من 21 عاماً بلا أدنى مقومات الحياة المعيشية”؟ هذا ملخص رسالة وصلتني من مكتب هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية في جدة، أنا اصدق وجود حالات أسوأ من ذلك، في الصحارى وداخل المدن على حد سواء، والرسالة المرفق بها صور توضح جهد المكتب في توفير بعض حاجات أولئك الأفراد، وأود أن أشيد بجهود مكتب الهيئة في جدة، ولا أنسى له تفاعله، على قلة الإمكانات، مع أحوال الفقر والعوز في محافظة الليث وقراها، كان هذا المكتب الوحيد الذي تجاوب مع النداء، فقدم بحسب استطاعته، ولا اذكر جهة حكومية تفاعلت مع فقر الليث، لذلك من المتوقع ألا جهة حكومية تعلم عن المنقطعين في الصحارى مثل سكان صحراء “ثول”، ربما لم يذكروا حتى في الإحصاء السكاني، هنا تجدر الإشارة إلى أن عدد السكان ارتفع! ولا ترى من الجمعيات الخيرية على كثرة عددها تفاعلاً يذكر مع ما يطرح في الإعلام من حالات إنسانية أسيرة للفقر والمرض، للأسف خدمات الجمعيات هي خدمات مكتبية، ومع فعاليات مؤتمر العمل التطوعي، يجب الحذر من أن يكون العمل التطوعي مجالاً لتوظيف العاطلين، المتطوع للأعمال الخيرية شخص لديه حافز داخلي، وإنكار عميق للذات، هو يبحث عن ثراء معنوي يشعر به كل من يساعد في أعمال الخير لوجه الله تعالى، لا بحثاً عن الراتب او الوجاهة الاجتماعية، وأحسن وزير الشؤون الاجتماعية السابق الدكتور علي النملة في الإشارة إلى الساعين للوجاهة الاجتماعية عن طريق التبرعات، إذ نقلت “الحياة” ذلك عنه في محاضرة ألقاها، وأنقل طرفاً آخر منها لأهمية صدوره من وزير سابق “في مجال الرعاية الاجتماعية من يتولون الوصاية على العاجزين والأيتام، لا بد من مراقبتهم ومحاسبتهم عند التقصير وسوء الاهتمام”. وأتوقف هنا للتعليق، لقد عشنا ردحاً من الزمن يتم فيه التستر عليهم وفي أقصى الحالات يبعدون من غرفة إلى مكتب مجاور، إذ يظن بعض المسؤولين أن كشف هذه القضايا يضر بمواقعهم.
وأضاف الدكتور النملة: “إن الموازنة والإنفاق سواء أكانا حكوميين أم من موارد مالية أخرى، قد يتهمان بأنهما مداران للفساد المالي، ونحن لا نستطيع ان نعيش في مدينة فاضلة… لكن ما نستطيع فعله هو تضييق التجاوزات” انتهى. لم يطالب أحد بأن نعيش في مدينة فاضلة، لكن لا يعني هذا أن نعيش حالة الجمود المتجذر، لذلك كتبت غير مرة مطالباً بالرقابة المحاسبية على الجمعيات الخيرية وإعلان موازناتها وبرامجها للعموم، لأنني أرى أن العمل الخيري الداخلي في اضعف حالاته، هو قانع في أسر الجمود مع هجوم حاشد من الفقر والمرض والغلاء، ولكن لا حياة… مع اليأس.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.