دغدغة متبادلة

يستغرب الفرد منا كيف تكون الجوائز للمنشآت المحلية آتية من الخارج؟ الخدمة محلية، وهي في نسبتها العظمى تستهدف شرائح في الداخل، والجائزة تأتي من الخارج! هذا الهوس ليس جديداً، إلا أنه انتشر وضم إلى دائرته جهات أخرى لم نعهد منها هذا الأسلوب في منافسة فتحت أبواب الدهشة، وأول من بدأ هذا الأسلوب في السعودية على نطاق واسع هي البنوك، هناك بنك رائد في هذا المجال تبعته بنوك أخرى، ووصل الأمر إلى الصحف المحلية نفسها، تُقرأ في السعودية وتفوز بجائزة على بعد آلاف الكيلومترات! ربما تكون هذه الجوائز هي الوحيدة المدفوع ثمنها من الفائز بها، والمستفيد الوحيد منها هي الجهة التي قبضت الثمن في مقابل مجسم برونزي مع شهادة مطرزة بماء الذهب عيار ستة على ستة. أتذكر قبل سنوات طويلة مطعماً في الرياض يبيع “الشاورما والفلافل”، له عدد محدود من الفروع، أعلن عن فوزه بجائزة من اسبانيا! ولم يكن يُصدِّر الشاورما ولا الفلافل إلى تلك البلاد الجميلة، ولست أعلم حتى الآن لماذا اختار صاحبه اسبانيا او اختارته؟ ربما بسبب السياحة، الطريف أنه بعد فترة من الإعلان عن الفوز بجائزة الفلافل الاسبانية قامت البلدية في الرياض بإقفاله لتردي مستوى النظافة، فوضع لوحة تقول إنه يقوم بتجديد الديكور، ولاحقاً اختفى هذا المطعم تماماً من سوق “الشاورما والفلافل”، على رغم أن الاستثمار في الأطعمة والمطاعم من القطاعات الناجحة، ربما أصيب ذلك المطعم بعين حسود. جائزة من اسبانيا؟ لا شك تلفت النظر وربما تحرك نوازع الحسد عند مطاعم “الفول” و “المثلوثة”، وهي إشارة إلى أن الفوز بالجوائز قد يعني الوصول إلى قمة ليس بعدها إلا القاع، هذا إذا كنت مقتنعاً بتلك الجوائز، بالنسبة إلي لا أرى في مثل هذه الجوائز سوى ضحك متفق عليه يعتمد على مبدأ “دغدغني وأدغدغك”! برز سؤال أمامي وأنا أتابع ردود الفعل على هذه الجوائز يقول… هل تقوم شريحة في مجتمعنا بالتشجيع على هذه الأساليب والجوائز الكرتونية؟ الجواب نعم، أما الدليل فهو سيل التهاني إعلانات كانت أم خطابات إشادة وتبجيل، حتى أصبح شائعاً أن من أراد نشر صورته عليه إرسال خطاب تهنئة لتلك الصحيفة، بمناسبة فوزها بجائزة من إسبانيا أو الفيليبين، ربما بنغلاديش مستقبلاً! تصرفات أشبه بالدغدغة المتبادلة، أو “المقايضة العصرية” إن شئت.