“حاطنا براسك”

الشكوى من ندرة المحررين المتخصصين في الصحافة السعودية شكوى قديمة، ستبحث من دون جدوى عن متخصص في الشأن العسكري مثلاً، وحتى في الشأن الأمني، وإذا التفتّ إلى الاقتصادي سيكون لك أكثر من ملاحظة، التخصص، مع التحفظ، ستجده بارزاً في الشأن الفني والرياضي، وتحفُّظي ناتج من أنه ليس تخصصاً بقدر ما هو انغماس. السبب الرئيسي يكمن في أن الصحافة المحلية لم تهتم بهذا الجانب، التخصص في عرف كثير منها هو “العلاقاتية”، بمعنى أن تكون للمحرر علاقة بذلك الشأن أو الجهة الكبيرة المعنية فيه، يفضل أن يكون موظفاً فيها! في الغالب ينقل ذلك المحرر كل ما يقال أو يرسل له من تلك الجهة، النتيجة تحوله إلى موظف علاقات عامة “منتدب” داخل الصحيفة.
هذه مقدمة تحكي واقع الحال، وأصل فكرة المقال وسببه اتصال صحافي واعد من الجيل الجديد، اشتكى فيه من أن أحد المسؤولين في جهة تنفيذية مهمة قال له تعليقاً على ما ينشر عن الجهة التي يشرف عليها: “أنت حاطنا براسك”، والمعنى أنك تتقصد النشر عنا أو تبحث في عيوبنا، وربما في طيات المعنى أن الدوافع شخصية. “حاطني براسك” باللهجة السعودية تقال عند الخصومة ويدفع إلى قولها التذمر مما فعله ويفعله ذاك الذي “حطك في رأسه”.
مثل هذا الموقف والفهم لدور الصحافة والصحافي لا يبشر بخير، ولا يشير إلى استيعاب حقيقي لمهنة الصحافي ودوره في التنمية، بل إنه يدل على أن مساحة النشر الممتدة حالياً تواجه جيوباً من المقاومة، ومن المؤكد أن مثل هذا الكلام لا يقال في العلن، ما يقال غالباً هو “أننا نتقبل النقد البنّاء”، ومعلوم أن هناك حاجة إلى لجان وربما لمؤتمرات وجولات  لتحديد “ماهية النقد البنّاء”؟، ولونه وشكله… الخلاف في تعريفه يأتي من موقع كل طرف وهو أمر طبيعي ومطلوب.
مهمة الصحافي الأساسية أن “يحط المجتمع في رأسه”، بكل ما فيه، بحيث تحتل مقدمة الرأس أولويات هو يقدرها من واقع ما يدور حوله وما يصله ويصل إليه، وإذا كان البعض يريد أن يضعه الصحافي “على رأسه” فهو أمر ممكن الحدوث، ومن خلال تفهم دور الصحافة، أقول دائماً إن كل جهة تتعرض للنقد تستطيع الاستفادة منه إذا كانت راغبة في تطوير أعمالها بحيث تحقق أعلى نسبة من رضا المجتمع، ضع خطاً أحمر تحت “راغبة”، الجهات غير الراغبة تلاحظ أنها لا تتفاعل على الإطلاق مع ما ينشر من نقد لها، وتتحصن إما بالصمت أو بالمكالمات الهاتفية الساخنة.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.