“بمبر”

سواء أكنت في الرياض أو دبي أو القاهرة، ودخلت إحدى الأسواق الحديثة، فلا بد من أن تواجه باعة “الهلس”، يعترض البائع طريقك بسؤال من اثنين: هل اشتركت في السحب؟ أو: “هل استلمت جائزتك؟”، والجائزة هنا هي شوكة سنارة الصيد، وأنت الفريسة، وبعض هؤلاء الذين يطلق عليهم، تجاوزاً، مندوبي مبيعات، أو “متخسسين” في التسوق، هدفهم الرئيس هو “تخسيس” محفظتك، المربع الأول الذي يحرص هذا النوع من الكائنات على حشرك فيه هو تسجيل اسمك وعنوانك ورقم هاتفك… إلخ، وقد تحصل في مقابل هذا “الجهد” على ورقة تسمى “كوبون”، ربما يطلب منك ذلك الكائن المتجول مبلغاً “رمزياً”، إذا دفعته دخلت المربع الثاني للعبة، بعض هؤلاء فيهم كثير من سلوكيات قطاع الطرق، كثير منهم حريصون على قطع طريقك لحشرك في مربعاتهم.
المواطن العربي وبسبب حال الإحباط التي يعيشها من الجهات الأربع في حاجة إلى جائزة، يخيل إلي أنه يشعر بهذا، هو في سباق تحمل منذ زمن طويل، لذلك إذا سمع أن له جائزة لم يعلم عنها، يدخل في مخيخه أنها جائزة على الصبر الطويل، ومقابل للإحباط الذي يعايشه ويعيشه من دون أن يتفسخ حتى لحظة اعتراض طريقه المسدود، هذه من صفات الفرد العربي في القرن الواحد والعشرين. الكائنات المتجولة مثل تلك أصبحت من مكونات الأسواق التجارية الاستهلاكية الكبيرة أو موضة الاقتصاد العربي، التفاخر الآن بين “الاقتصادات” العربية هو في عدد هذه الأسواق وضخامتها، ونسبة بلاط الرخام في الجدران والأرضيات، تتميز تلك الكائنات بلزوجة عجيبة، بعضها يشابه أنواعاً من السحالي… سلاحها لسان طويل لزج في طرفه عضلة لا تكف عن الحركة، وعينان زائغتان فيهما جحوظ لافت حتى يكاد ينسكب سوادها إلى الركبة! وكلما قام أحد هذه الكائنات المتجولة بقطع طريقي تذكرت ثمرة “البمبر”، وهي ثمرة لشجرة بالاسم نفسه، في داخلها سائل لزج مخاطي كريه لا يمكن التخلص منه بسهولة، كان الأولاد الأشقياء يتراشقون بثمارها المخاطية وتدفع الأمهات الثمن عند الغسيل.
من نافلة القول أنك لن تحصل سوى على الخسارة من هذه الكائنات المتجولة، إذ لا يقدمون عروضاً بقدر ما يعترضون طريقك، في الواقع هم يمارسون شكلاً من أشكال التسول والنصب، عندما أراهم في الأسواق أحمل المسؤولية دائماً على السوق وإدارته، حتى لو لم يكن لها علاقة مباشرة، فهي صمتت وربما أجرت “كشكاً، لم يعد الفرد منا يعلم من أين يأتيه النصب… من الفضاء أم من الأرض؟ فهو ما زال يصدق ما يقال من أن كل ما حوله وضع لأجله، وبعضنا لم يكتشف أن ما حوله لم يوضع سوى لجر رجله… متناسين المثل الجميل “إذا وقعت يا فصيح لا تصيح!”.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.