تبحث كثير من الجهات عن الريادة، كأن تكون أول من فعل أو استحدث أو قام بعمل ما تراه أو يرونه فعلاً مميزاً يستحق أن يُبرز.
الريادة أمر طيب ومحمود، لكنها ليست مستحبة لذاتها ولا مطلوبة لغرض الاستخدام الإعلامي والتجمل ليس إلا، وقد… أقول “قد” تكون الريادة دليلاً على التطور والتقدم، إلا أن “قد” التي وضعتها لتعترض طريق التقدم مثل سور عالٍ، لها سبب جوهري، هو أنه لا يجوز أن يكون البحث عن الريادة سبباً لترك ما هو أهم. الريادة – في تقديري المتواضع – تكون في توفير الخدمة الأهم للشريحة الأكبر. أيضاً ما يقال إنه ريادة لا يمكن أن يحجب شمس الحقيقة المتمثلة في نقص خدمات ضرورية تعاني منها الغالبية، فتستغيث من دون نجدة.
ربما يسأل القارئ: “وش الطاري؟”، أقول وبالله التوفيق إن بعض المستشفيات السعودية الخاصة والعامة تعلن بين فترة وأخرى عن النجاح في إجراء جراحات معقدة أو صعبة أو للمرة الأولى، ولابد من التفريق بين ما تعلنه المستشفيات الخاصة، وهو في الغالب “إعلان تحريري” ترويجي ينشر في صفحات “الخدمات” التي تقدمها المطبوعات، وبين أخبار المستشفيات العامة” الحكومية”. شخصياً ما زلت أثق بالحكومي وأطمع في استمرار الثقة. ومن باب الإنصاف لعلك عزيزي القارئ لاحظت أن المستشفيات الحكومية هي الوحيدة التي يذكر اسمها في أخبار أخطاء الأطباء والفريق الطبي، وكثير من مشكلات المرضى، في حين يختفي اسم المستشفى الخاص ليكون “أحد المستشفيات الخاصة”!
أعود إلى صلب الموضوع بعد “تحويلة” إجبارية فرضتها أعمال الصيانة في شوارع الرياض الرئيسية! لتأكيد أن مثل هذه الريادة لها قيمة ضعيفة، وحصولها لا يخفي حجم الخلل الواقع في الخدمات الطبية. ولست أحاول هنا التقليل من قيمة عمل أو نجاح للأطباء على الإطلاق، فهم على الرأس والعين، وأفرح مثل كل إنسان بنجاح جراحة لمريض أو مريضة، أفرح للمريض وللطبيب، إلا أن الريادة هنا تحسب للفريق الطبي والقسم الذي يعمل به، ولا أستطيع أن أحسبها ريادة للمستشفى الذي يعمل فيه، السبب أن هناك حاجات تحولت إلى فجوات كبيرة لا تقدمها إدارات هذه المستشفيات للمرضى والمحتاجين للعلاج، على رغم أنها خدمات تحتاجها الغالبية من السكان.
إذا كان هناك إصرار على “صرعة” الريادة والتميز، فالحقيقة تقول إن الخدمات الصحية في مملكة الإنسانية هي الرائدة في شح الأَسِرَّة للمرضى، وليس أصعب وأقسى على الإنسان من اتصال من مهموم يبحث عن سرير لنقل والده المريض في العناية المركزة، فتبحث معه ولن تجد، لأنه ليس في يديك سوى مفاتيح… “السيارة”!
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط