“قومي… للمعلمة” 2-2

لا أشك لحظة في أن مهنة التعليم هي من أصعب المهن، في مقابلة الصغار والمراهقين من الصباح الباكر إلى ما بعد الظهر ليس بالأمر الهين، وبينهم الأشقياء و”المتنحون”، وكثيرو الحركة والإزعاج، لكنها مهنة لها شروطها إذا وافقت ودخلت إلى سلكها يجب أن تحترمها أو تتركها، هناك أناس خلقوا لهذه المهنة فيهم من الرفق والسماحة واللين والصبر ما يجعلهم الأكثر قدرة والأقدر تأثيراً في الطلبة. المشكلة أن التعليم للجنسين كان هو الموظف الأكبر للشبان والشابات ويقدم دخلاً جيداً فانضم إليه الغالبية حتى ولو كانت شروط القدرات التربوية لا تنطبق عليهم.
 والمعلمون والمعلمات هم أكثر الناس غضباً عليك عندما تنتقد طريقتهم في التعامل مع الطلبة والطالبات، هم يعتقدون أنهم يربون أبناءك أو “يضفّونهم لك أو عنك” اختر ما تشاء، بينما تستمتع أنت بالحياة فهم يعتقدون أن شعار المدرسة “ارم الأطفال علينا واستمتع بالرحلة”، ولهذا يسمحون لأنفسهم بخرق قواعد التعامل والقسوة اللفظية والبدنية على أنفس التلاميذ الغضة، والحقيقة أن ما يبقى هو الأثر الطيب في هذه النفوس الرقيقة التي بين أيديكم. إن أفئدة الصغار تسجل كل شيء بالصوت والصورة الملونة وتبقى هذه التسجيلات طوال العمر. إنها أطول عمراً من “مقاطع البلوتوث”، ويرافقها دعاء حار ومن طفل بريء فاختر ما تريد.
بالنسبة إلي والى كثير من زملائي أتذكر دائماً أساتذة ما زلت وسأظل أحمل لهم الكثير من الحب والمودة والامتنان، تعلمنا منهم كيف يكون العطاء، أتذكر الأستاذ (الدكتور حالياً) معراج مرزا أستاذ الجغرافيا في المرحلة المتوسطة، كان أخاً كبيراً وجعل من التضاريس وطبقات الأرض والجهات الفرعية والأصلية مادة جذابة لنا، وأتذكر الأستاذ أحمد عطا من مصر الشقيقة الذي حبب إلينا الرياضيات في المرحلة الثانوية، على رغم أنها مادة للأذكياء ولست منهم، كان عطا “الله يعطيه ألف عافية” يصر على الخروج معنا للصحراء في “كشتات” قصيرة ويتعامل معنا تعامل الرجال، علمناه كيف يصيد ضباً، وطبخ لنا ملوخية بالأرانب ولم نأكلها.
 وأتذكر الأستاذ محمد قطب في المرحلة الثانوية وكيف كانت حصة الأحياء مادة جميلة نحرص على حضورها، كان شيخاً وقوراً فيه من الرفق الشيء الكثير تعلمنا منه كيف يكون الحياء سمواً، وغيرهم لهم منا الدعاء والمحبة، أيضاً ما زالت أتذكر معلمين من النوع الآخر جعلونا نكره المواد التي يدرسونها واستطاعوا بنجاح إقفال أدمغتنا وصناعة عقد في “تلافيفها”، لم يكونوا يعلمون بقدر ما كانوا يمارسون أو يفكون عقد المنزل أو المجتمع على الطلبة، ولن أذكر أحداً بالاسم.
وحاولت أن أتذكر معلماً واحداً من المرحلة الابتدائية وتذكرت كثيراً منهم، لكن صورهم جميعاً عندما “تحمضت” في الذاكرة ظهر كل واحد منهم وهو يحمل عصا بمقدار طوله… وهم عينة لتلك المرحلة، ما يعني أننا جميعاً في حاجة لتأهيل نفسي، فهل نفتتح مصحات للتأهيل النفسي بعد كل مرحلة؟

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.