نقطة في بحر…

يتذكر العالم ونحن ننسى أو نتناسى. عام يمر على فضيحة سجن أبو غريب في العراق  ومن يستحق التقدير هنا هو شبكةCBS   الأميركية التي كشفت وفضحت القضية المخزية، وها هي منظمات دولية تعلق على الذكرى وتقول إن ما حدث من تعامل منحط مع سجناء أبو غريب ليس سوى جزء بسيط من الواقع. كشفت لنا  تلك القضية أحقاد مجموعات سياسية استطاعت أن تحقق أهدافها في العراق من خلال توجيه القرار السياسي بدهاء وخبث.
وأثناء دق طبول الحرب لغزو العراق كتبت مع غيري من الإخوة الكتاب عن الذرائع والتبريرات الكاذبة التي استخدمت لتسويغ الاحتلال ومن قبله الغزو، وفي المقابل اجتهدت التروس العربية في ماكينة الإعلام الأميركي الموجه في التسويغ والسخرية من العرب المؤمنين إلى النخاع بنظرية المؤامرة، وها هي التقارير الرسمية الصادرة في الولايات المتحدة وبريطانيا تؤكد التضليل الذي مورس من جانب أجهزة الاستخبارات لدى قوات الاحتلال أو التحالف على صانع القرار هناك، ليتخذ قرار الغزو والهدم وإشاعة الفوضى، وهلل بعض هؤلاء لمحاكمات تم إجراؤها لأفراد حصرت فيهم قضية سجن أبو غريب. التهليل إشارة إلى الديموقراطية التي لا تخفى في مجتمعاتها فضيحة لفترة طويلة، وتناسى هؤلاء أن المدبرين والموجهين لغزو العراق واحتلاله وتقسيمه ما زالوا في مواقعهم، بعضهم تقدم إلى الأمام والبعض الآخر عاد إلى الكواليس موقتاً.
وفيما يقوم الغزاة في مجتمعاتهم بالكشف عن أخطائهم والعمل على المحاسبة لا تتجرأ التروس العربية “المتأمركة” على الاعتراف بالخطأ عن مساهماتها المكشوفة. بالنسبة إلى هؤلاء كانت القضية مهمة محددة الأهداف وانتهت، وهناك الآن مهمة جديدة.
وإذا استعرضنا الأحداث منذ سقوط نظام صدام حسين الديكتاتوري، نجد أن ماكينة الغزاة أخرجت للإعلام مصطلحات سادت، لعل أشهرها “المثلث السني”. وها هي الديموقراطية المزعومة تستنسخ في العراق لتكرس الطائفية، ولن تنتهي إلا بالتقسيم العملي له، والمنتصر الفعلي الوحيد هو إسرائيل التي حصلت على ما لم تحلم به، وأصبحت بعض دول العالم العربي تتنافس في الخدمة بين وسيطة متجولة لدولة “العدو الصهيوني سابقاً” أو صاحبة مبادرات مشبوهة يقال دائماً بعد صدور ردود الفعل الغاضبة عليها، أنه أُسيء فهمها.
في فضيحة سجن أبو غريب وقتل المدنيين والصحافيين العرب والأجانب وحتى رجال استخبارات دول التحالف الغازية، يوجه الناس دائماً للنظر إلى أن ما يحدث في مجتمعاتهم العربية هو أكثر وحشية وقسوة، يحلو للبعض دائماً حشر الجمهور في مثل هذه المقارنات الخبيثة. يستعمل هؤلاء الأوضاع المتردية في العالم العربي ذرائع لتبرير جرائم الحرب وانتهاك حقوق الإنسان، هناك دائماً قضايا فردية معزولة لا تعبر عن حقيقة الجيوش المقبلة لإشاعة الحريات، ذرائع أخرى يتمسك بها التابعون مثلما فعل الغزاة بأسلحة الدمار الشامل وغيرها، والمراقب يتذكر الآن وبعد فضيحة النفط مقابل الغذاء أسباب حرص الجيش الأميركي على حماية وزارة النفط العراقية بعد الاحتلال وتركه المواقع الحيوية والثقافية التي تعرضت للنهب والتدمير.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.