صقر في زمن الدجاج 1-2

اندهش صديقي أبو ناصر مما رآه في سوق الحمام، بداية أوضح لكم أنني أعتبر هذا الصديق مستشاراً لشؤون سوق الحمام والدواجن…
 ماذا أدهشه؟
 وجد أبو ناصر صقراً محبوساً في قفص مع دجاج وديك! روى صديقي المشهد بألم، قال أن الصقر كان مهيض الجناح ومكسور الخاطر، تماماً مثل عزيز قوم ذل، اضطرته الظروف إلى أن “يلبد” أي يحشر نفسه في طرف القفص برأس مطأطأ، وربما بدأت أمراض الضغط والسكري تفتك بجسده الممشوق.
قلت له قد يكون نوع آخر إما “شبوط” أو “باشق” على رغم أنهما لا يحبسان مع الدجاج لكن أبو ناصر أخبرني أنه سأل البائع عن نوع الطير فقال له إنه شاهين وأثنى عليه وأنه حر ليس له صنو، امتدحه مثل كل بائع يروج بضاعته. في الحقيقة  تأثرت كثيراً، صقر في قفص مع  دجاج وديك، تذكرت أن الكثرة تغلب الشجاعة، وأن معاناة الصقر السجين مع الدجاج لا توصف، يحتاج مثل هذا المشهد لشاعر وأنا لست بشاعر، اتصلت بصديقي أبو عبدالله مستشاري لشؤون الصقور والفيافي والقفار، ما أن سمع بالقصة حتى تملكه الغضب وطلب مني معرفة موقع سجن الصقر، توقعت أنه سيحاول فك أسره أو يفتديه “بغمطة” نقود، يقيل حراً من عثرته، حر في سجن وفوق هذا مع دجاج وديك ولك أن تتصور، اكتشفت أنه يريد تلقين السجّان درساً في احترام الصقور، رفضت أن أخبره بالمكان، ابتعاداً من المشكلات، ومعتذراً بأن أهل الصحراء وهو منهم يستطيعون معرفة المواقع “بالماجلان” أليس كذلك!؟ واتفقت وإياه أخيراً على أن نقدم درساً في التعامل مع الصقور… في سطور، فهذا من أضعف الإيمان.
المثل الشعبي الذي يقول “اللي ما يعرف للصقر يشويه” أصبح مثلاً قديماً يمكن لنا من واقع القصة المحزنة السابق ذكرها تطويره مثلما يطور التراث فنقول: “اللي ما يعرف للصقر يحبسه مع دجاج” فينتج لدينا “صقر داج”، ولك أن تتصور أن الصقور تباع في سوق الحمام، السوق غلب عليه اسم الفريسة وأصبح المفترس تابعاً بل ومسجوناً في قفص دجاج.
تنشأ علاقة حميمة عميقة بين الصقّار “مربي الصقور” وطيوره، يتعامل معها مثلما يتعامل مع أبنائه أو أكثر، تذكروا أنني أتحدث عن الصقار وليس عن المتطفلين على الصقور، والصقّار لا يمكن أن يضع صقراً في قفص، وفي مثل هذا الوقت من السنة عندما يشتد الحر يحرص الصقّار على العناية بصقره، يكرمه في مكان مكيف معتدل الحرارة، في هذا الوقت يقوم الصقر بتبديل ريشه يطلقون عليها “القرنسة”، هو فرخ وعند أول سنة يبدل فيها ريشه يسمى “قرناس بكر” والعهدة على المستشار. ومعلوم أن العقاب الأشد  للطيور هو حبسها مع غير جنسها، على العكس من البشر!! لذلك فإن صقرنا الأشم المحبوس مع دجاج وديك كما روى لي صاحبي الغاضب يعيش في ذل ومهانة، نعود إلى معاملة الصقّار المحترف لصقوره وإكرامها غداً بعون الله تعالى.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.