صقر في زمن الدجاج 2-2

الصقّار المحترف يعلم أن نشاط الصقر ينخفض في هذا الوقت من السنة، فهو يدخل في ما يمكن تسميته البيات الصيفي، لك أن تتصور عزيزي القارئ أن صقرنا المسكين سيضطر على رغم “منقاره” الأشم، إلى تبديل ريشه في حبس وأمام دجاج وديك.
في وقت “قرنسة” الصقور يحرص المحترفون على عدم إزعاج الصقر في مبيته الصيفي يزورونه مرة واحدة أو مرتين في اليوم لإطعامه وتفقده في أوقات محددة، ويتم تجهيز مكانه برمل وأحجار من نوع معين تكون عليها طبقة من الملح يحضرونها من الصحراء، الهواة من غير المحترفين يخطئون كثيراً في هذا الوقت، حيث يبقون الصقر على وكره فيصاب بأمراض يصعب الشفاء منها، مثل مرض “السدة” وهو التهاب يصيب منطقة حساسة من باطن كف الصقر، الأحجار الملحية والرمل وترك الصقر حراً يتحرك تقيه من هذا المرض بإذن الله، وعلاجه فيما لو أصيب بالمرض مكلف وطويل، وللعلم فإن بعض خبراء الصقور الخواجات في بلادنا لم يعلموا أسباب هذا المرض والوقاية منه وتعلموها من الصقّارين، “وانظر إلى الفرق بين راتب هذا وراتب ذاك… جعل الشر يتعداك”!
 بعدما يبدل الصقر ريشه مرة ثانية يسمى “قرناس ثاني” أو “ثني”، وهكذا، وتختلف التسميات الشعبية من منطقة لأخرى، ومنذ بداية شهر أكتوبر واعتدال الجو يكون الصقر أكمل تبديل ريشه ويصبح مستعداً لفترة التدريب وما يطلق عليه “الدعو”، والعمر الافتراضي للصقر في المتوسط ما بين خمس عشرة إلى سبع عشرة سنة، وما يتعداها وهو قادر على الصيد والكر والفر، يعتبر حالة نادرة، وعندما يتقدم الصقر في السن ويحال إلى التقاعد يستمر صاحبه في إكرامه، وتستمر العلاقة الحميمة ولا يتركه يمشي على عكاز، يقوده ابنه المراهق باحثاً عن تحويل راتبه التقاعدي من فرع أحد البنوك إلى فرع آخر وأمامه طابور طويل، ولا يرضى أن “يتمرمط” أمام أبواب الضمان الاجتماعي ، بل تصله حاجته إلى وكره معززاً مكرماً، ويستمر صاحبه كل مساء وبين صحبه في التغني بأمجاده وإنجازاته أيام الشباب والعطاء، ولا يمكن أن يحبس مع دجاج حتى ولو كان عاطلاً عن العمل، والكاتب ليس مولعاً بالصقور ولا بالصيد ولله الحمد والمنة، ولكن “دم الحر يحن”، إضافة إلى أنني مهتم بالخبرات المحلية، خصوصاً في شؤون بيئتنا وأجد أن الاهتمام بها لا يرقى للكنوز المدفونة في رؤوس رجال ونساء هذه الأرض الطيبة، وكلما جاءت مناسبة وتوافرت معلومة أكتبها فربما تكون هناك استفادة لا اقصد من الجهات الرسمية طبعاً بل من القراء، لأن لدى الجهات الرسمية مفكريها  ومستشاريها الذين لا يحوجونها لأي فكرة جديدة لهذا تجد أن ما يطرح في الصحافة قليلاً ما يجد صدى.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.