فيروس المجالس والهيئات

من الناحية النظرية ولمعالجة قضية أو قضايا يتم إنشاء جهاز متخصص ليتولى إدارة تلك القضايا، وتوفر له الصلاحيات والإمكانات ويربط بمسؤول كبير يقوم بتحمل مهام جسيمة كثيرة هذا واحد منها، عملياً فإن إنشاء الجهاز هو خطوة صغيرة لا تكفي وحدها فقد يكون الإنشاء مجرد إضافة عبء بيروقراطي آخر، تقويم عمل الجهاز وماذا أنجز خلال السنتين الأولى والثانية وهكذا أمر في غاية الأهمية حتى يتم تحقيق الهدف الكبير، إذا لم يتم التقويم من جهة مستقلة محايدة، يصبح لديك شكل أو هيكل كبير غير منتج وأنت تعتقد أنه منتج وفعال، هيكل يسد موقعاً في الأفق ولكنه لا يقدم شيئاً ملموساً.
 قبل أيام كتبت عن فيروس البطء الذي نعاني منه في حل كثير من الإشكالات والتداخلات بين الأجهزة الحكومية، قضايا ملحة مثل التنفيذ العملي لقرارات إصلاح صادرة عن أعلى مستوى مثل الفصل بينها ودمج بعضها ببعض، وتحديد الصلاحيات بوضوح والقضاء على المناطق الرمادية الإدارية التي هي بمثابة ثقوب سوداء تلتهم وبنهم كل خطوة إيجابية يحرص على إنجازها ولي الأمر لمصلحة المجتمع فلا تصل آثارها الايجابية إلى القطاع العريض من أفراده.
في عام 1420هـ صدر قرار مهم واستراتيجي وهو إنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى دعونا نطالع نماذج من اختصاصاته:
– التنسيق بين الجهات الحكومية التي تتصل أعمالها مباشرة بالاقتصاد الوطني لتحقيق الترابط والتكامل بين أعمالها، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لذلك.
منذ إنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى زادت حدة التداخلات بين الجهات الحكومية وإشكالات الصلاحيات ولم يتخذ “الإجراءات اللازمة كافة” الأمثلة أكثر من أن تعد، بعضها كان موجوداً قبل إنشاء المجلس وبعض آخر نشأ مع تكوينه وبعده، ولم يتحقق الترابط ولا التكامل.
هذا اختصاص آخر من اختصاصات المجلس:
– درس السياسـات التجارية على الصعيدين المحلـي والدولي، والقواعـد التي تنظم سـوق العمل وأسواق المال وتحمي مصالح المستهلك، وتلك التي تهيئ المناخ الملائم للمنافسة والاستثمار، والسياسات الصناعية والزراعية، التي تعدها الجهات المعنية.
 في هذا الشأن لم يتم التقدم خطوة واحدة فهل ما زالت الدراسات مستمرة، وانظر إلى ما حصل ويحصل في سوق المال، وانظر رعاك الله وأبقاك إلى مصالح المستهلكين، ماذا فعل المجلس الاقتصادي الأعلى في هذا الشأن، وأين هي الهيئة الوطنية “المستقلة” لحماية المستهلك، بل أين المجلس من فضيحة المنتجات الصينية؟ يصرح مسؤول رفيع في السفارة الصينية أن بعض التجار السعوديين يطلبون تخفيض جودة السلع المستوردة، كما أنها تصبح مثل الطوفان في الأسواق ولا يحرك المجلس الأعلى ساكناً ولا يسائل أحداً ولا يتخذ قراراً.
وانظر إلى التخبط الكبير في سياسة استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية، وحماية رؤوس الأموال المحلية من فضائح توظيف الأموال وغيرها.
وأطرح سؤالاً يقول هل لدى المجلس رؤية مستقبلية للاقتصاد الوطني وما هي؟
وما أتوقعه أن هناك افتقاداً لروح المبادرة، ولدى المجلس القدرة فهو أعلى سلطة اقتصادية لكنه استسلم لما تقدمه الجهات المعنية الأخرى من مبادرات، فسار في ركابها، وأكتب هذا المقال من باب إبراء الذمة، وأعلم أنه في أفضل الأحوال سيحفظ.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.