لا للربط… نعم للقفز!

يرفض السيد بلير رئيس الوزراء البريطاني، الربط بين الأوضاع في أفغانستان والعراق وفلسطين وبين تفجيرات لندن، وله الحق في ذلك، إلا أن هذا الرفض إذا سلمنا به، لا يعنى سوى أن أحداث لندن الأخيرة والتي سبقتها هي أحداث داخلية وغير مصدرة من منطقة الشرق الأوسط لا من العقيدة السائدة فيها ولا من مناهج التعليم المبرمجة في مدارسها، يجوز للسيد رئيس الوزراء البريطاني أن يرفض الربط، لكن لا يجوز له القفز، فتحمل شعوب المنطقة والإسلام والمسلمين تلك الأحداث مع رفض الربط على أن لسياسات الغرب الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا التأثير الأكبر في تلك الأحداث وما سبقها وما جاء بعدها، قد لا تكون السبب الوحيد لكنها بالتأكيد السبب الرئيس، وتفاءلت كثيراً بدعوة السيد بلير عقد مؤتمر دولي لبحث “أسباب” الإرهاب، وتبخر تفاؤلي سريعاً بعدما رفض الربط، ومن الرفض البريطاني أعتقد أننا أمام إشكالية جديدة تماثل إشكالية تعريف الإرهاب، هل يتم الربط أو لا يتم؟ وإذا ما راجعنا ما تم في تعريف الإرهاب يمكن لنا استنتاج من سيحدد الأسباب ويجبر الآخرين على القبول بها والعمل على أساسها؟ وليس هذا من الديموقراطية التي يبشرون بها في شيء.
لكن في بريطانيا رأي آخر يقوده عمدة لندن إذ يرى عمدة عاصمة الضباب أن السبب هو التدخلات الأميركية والبريطانية في شؤون الشرق الأوسط الغني بالنفط منذ عشرات السنين.
التفجيرات لم تطاول لندن وحدها بل طاولت الكثير من دول العالم، كان لدول المنطقة النصيب الوافر، وإذا ما دققنا النظر في الأحوال السياسية لهذه الدول نجد أنها غير مستقرة، بل نجد أن الكثير منها في حال غليان، صورته الأبشع في العراق، ويلاحظ المتابع غلياناً وتفجيرات في مصر وآخر في اليمن جرّاء رفع أسعار الوقود الذي كان الشرارة التي أوقدت تلك المظاهرات والتخريب، وهناك أحداث مؤسفة وتفجيرات منتظمة في لبنان، واحتقان في علاقتها بالجارة سورية، لكل من هذه الأحداث أسباب محلية إلا أن القاسم المشترك هو عجز الحكومات والضغوط الخارجية عليها، وما كان يدار سابقاً بالديبلوماسية والمحادثات الجانبية السرية أصبح يعلن ويصدر عن مجلس الأمن كلما كان هذا المجلس مطيعاً.
والحقيقة أن غزو أفغانستان والعراق أعاد للأذهان الانتداب البريطاني وما فعله في فلسطين، لقد أعدتم للذاكرة وعد بلفور، وكل التبعات والتطورات التي حدثت بعده، وقدمتم للإرهابيين أفضل الفرص وأسهمت السياسة الخارجية الأميركية والبريطانية في توفير العناصر لـ “القاعدة” وغيرها بتخبطاتها ووضعها مصلحة دويلة إسرائيل فوق كل اعتبار، والغليان في كثير من دول المنطقة لا يبشر بخير، بل ان أبناءها يضعون أيديهم على قلوبهم، وإذا أردنا الحل فلا بد من مؤتمر حقيقي ومكاشفة واضحة المعالم عن أسباب الإرهاب وما يجب أن يفعله المسببون.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.