لم يعرف عن السعودية التطلع إلى التدخل في شؤون الآخرين الداخلية، نأت المملكة بنفسها عن هذه المستنقعات الموحلة، كان الأهم الأساس للقيادة السعودية هو الاستقرار الداخلي والبناء والتنمية، وهذه من نعم الله تعالى على هذه البلاد، وامتدت يدها الخيرة لمساعدة الأشقاء والأصدقاء والمحتاجين، ولديها سجل حافل بالعطاء في هذا الشأن لا تخطئة العين، وهو كم من الصعب إحصاؤه. الهيمنة على الآخرين التي شغلت كثيراً من القيادات العربية والأجنبية واستنزفت مواردها وموارد شعوبها وأوقفت نموها، وعلى رغم الأصباغ الملونة والأقنعة المزركشة التي تلبستها رغبات الهيمنة لدى بعض القيادات العربية، إلا أن نتائجها كانت وخيمة العواقب على الجميع.
في السعودية كانت الاتجاه الحقيقي إلى الداخل وبدلاً من اللهاث وراء سراب الحضور بتصدير المشكلات للآخرين حل مكان ذلك، التطوير والبناء وترسيخ الاستقرار وحفظ الأمن، لذلك كانت السعودية واحة آمنة لشعبها وللكثير من الاخوة والأصدقاء، يعملون فيها ويتعلمون خبرات جديدة، ودفعت القيادة السعودية عن البلاد كثيراً من الشرور والأطماع بالحكمة والسياسة المعتدلة، وأقرب وصف للسياسة السعودية الخارجية هو الاعتدال ومعه يأتي إصرار لا يلين على حفظ الحقوق، خصوصاً في قضية فلسطين، ليس بالشعارات والخطب الحماسية وتأجيج الشارع بل بالسياسة والمواقف الحقيقية المؤثرة واستثمار علاقاتها المتينة مع الدول الكبرى لهذا الغرض، ذلك الاعتدال في السياسة وتلك الحكمة هما اللذان جعلا للسعودية كل تلك الصداقات واجتمع في تشييع جثمان الملك فهد بن عبدالعزيز – رحمه الله – القاصي والداني.
ولو نظرنا إلى الأزمة الكبيرة في العلاقات السعودية – الأميركية بعد أحداث 11 سبتمبر وتفحصنا قدرة الديبلوماسية السعودية على حصر آثارها والإبقاء على روح العلاقة القوية المبنية على المصالح المشتركة وإعادة بنائها من جديد، لعلمنا مقدار أثر سياسة الاعتدال السعودية. مثل هذه الأزمة السياسة المهمة لم تؤثر في مواقف السعودية من القضايا العربية المصيرية، كما أنها لم تزحزحها عن خدمة الإسلام والمسلمين، في المقابل شاهدنا قيادات تملك من الثروات ما يوازي ما تملكه السعودية وصعدت إلى مواقع السلطة بحجة إعادة فلسطين إلى أبنائها وكيف استدارت وتراجعت إلى النقيض تماماً عندما واجهت أزمة حقيقية مع الغرب، تبخرت الوعود والخطب الحماسية حفاظاً على كرسي السلطة.
الاعتدال ووضع الاستقرار الداخلي في مقدم الهموم والحرص عليه هو الذي مكن القيادة السعودية من مواصلة التنمية، وهو أمر ليس باليسير وسط منطقة لم تعرف الاستقرار وبين زعماء اتخذوا من أسلوب التأجيج والخطب الاستهلاكية التخديرية سياسة لهم، واستخدموا مؤتمرات القمم قناة فضائية للاستعراض الشخصي.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط