تقرير القاضي ميليس في قضية اغتيال الرئيس الحريري هو بمثابة زلزال جديد يضرب المنطقة العربية، ولم يسرب إلى وسائل الإعلام بالأسماء عبثاً، الجمود والعناد السياسي الذي أصاب نظام صدام حسين قبل وأثناء جولات فرق التفتيش في كل زاوية عراقية بحثاً عن أسلحة الدمار الشامل والتهديدات التي صاحبته يماثله جمود لدى الحكم في سورية، وأعجب ممن يقول إن التقرير مسيس، على رغم أن الجريمة سياسية، والقاضي الألماني مشهود له في مجال عمله، والتقرير أيضاً يمثل المجتمع الدولي، ومن الواضح أننا سنرى في المستقبل القريب استثماراً سياسياً لتفاصيل التقرير، ومعه سنرى جملة من التنازلات السياسية من الطرف الأضعف، ومشكلة قتلة الحريري أنهم لم يتوقعوا مواجهة الشارع اللبناني، ولا الإعلام اللبناني الذي استثمر باقتدار المستجدات الدولية لكشف الحقيقة ورفع عقود من الهيمنة. والذين خططوا لاغتيال الحريري لم يتفحصوا ويدققوا في المتغيرات من حولهم، لذلك فإن ملابسات هذه الجريمة لن تحفظ ضد مجهول أو تلصق بتنظيم هلامي.
ومع اختلاف المعطيات، نحن نعيش هذا الوقت أجواء شبيهة بتلك الأجواء التي سبقت الغزو الأميركي البريطاني للعراق، الفارق الوحيد أن المجتمع الدولي ممثلاً في هيئة الأمم المتحدة وتقرير مندوب أمينها حاضر هذه المرة وفي الواجهة، وليس هناك دولة عظمى واحدة في الطرف الآخر كما كانت فرنسا قبل احتلال العراق. كل هذه المعطيات لا تعني بالضرورة توقع غزو آخر بنفس صيغة احتلال العراق، لكن النتائج والاستحقاقات يظهر أنها متشابهة.
تستحق بعض الأنظمة العربية ما أصابها، وما تخفي لها الأيام المقبلة، فهي قبعت عقوداً طويلة على رقاب شعوبها، لكن ما ذنب هذه الشعوب المطحونة لتدفع الثمن الفادح، ربما يأتي يوم تستخدم القوة العظمى الوحيدة في العالم ذرائع داخلية للتدخل والهيمنة، ومؤشرات ذلك جلية.
سياسات بعض الأنظمة العربية مع جيرانها أوجدت الذرائع للأجنبي، الكويت بالنسبة للعراق، ولبنان بالنسبة لسورية، التشابه فريد من نوعه، ومثل هذه الأنظمة ليس أمامها سوى نموذجين أحلاهما مر، إما مصير صدام حسين ونظام حكمه وبمستحقاته التي أقلها الثمن الفادح الذي يدفعه الشعب العراقي حتى الآن، أو القفز على الطريقة القذافية، لكن القفز بهذه الطريقة غير متاح للجميع، الذي يحكم نجاح القفز من عدمه هو الخصم القوي، وقد يؤجل إصدار رخصة الاستمرار في القيادة إلى حين.
الحق أحق أن يتبع، حتى ولو جاء من الخارج، والذين خططوا ونفذوا جريمة اغتيال الحريري ومرافقيه يجب أن يواجهوا القانون… وهو القانون الدولي هذه المرة.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط