في الوقت الذي تلح فيه وزارة الكهرباء والمياه على الجمهور بحملة ترشيد استهلاك المياه، وتقول في إعلاناتها إن الترشيد وصل إلى نسبة كذا أو سيصل إلى كذا إذا استخدمت كذا، يستنجد مواطنون طلباً للماء. تصور نفسك في منزلك وأمامك التلفزيون يعرض حملة الترشيد ويقول لك الإعلان رشد استهلاكك، والماء لا يتوافر لديك أصلاً، كيف يكون شعورك ومزاجك؟ تصور أنك في طابور الانتظار لسيارة نقل ماء وتلتفت يميناً او يساراً وتطالع بالوناً إرشادياً ضخماً يحثك على ترشيد المياه، ومما يزيد جفاف الفم أن كثيراً من إخواننا في المنطقة الشرقية لا يجدون أصلاً سوى الماء العسر، المالح، على رغم أن أنابيب المياه المحلاة تمر من جوارهم، وعلى رغم أنه ماء مالح إلا أنه من العسير وصوله إليهم، أليس ماءً عسراً؟! وهذا أحد الإخوة في حي بدر 91 سابقاً بمدينة الدمام يستنجد طلباً للماء العسر، فقد تعودوا عليه، كان بود الأخ الكريم أن يرسل رسالة من تحت الماء ولكنه لا يوجد، ويذكر أنهم يقومون بتسديد الفواتير في أوقاتها، وأقول للأخ الكريم إن أحياء كثيرة في مدننا تعيش على الحصص الأسبوعية، وفي أحيان أخرى نصف الشهرية، وتسديد الفواتير لا يقدم في الطابور، بل إن عين الرقابة على تسربات المياه ضعيفة أو مغمضة، وأنت وأنا نرى الماء يتسرب غالباً من المصادر نفسها، وتكرر ذلك دليلاً على عدم تطبيق النظام، ويظهر أن وزارة المياه والكهرباء ومصالح المياه تمارس الترشيد من المنبع لتثبت جدوى حملة التوعية. انقطاع الماء بين فينة وأخرى تعودنا عليه، لذلك أصبح لزاماً على كل صاحب منزل أن يشيد خزاناً أرضياً ضخماً لكن هذا ليس متاحاً للغالبية، ثم إن طول المدد بين عودة الماء وانقطاعه جعل تلك الخزانات كهوفاً فارغة!
كما أن ذلك جعل بيع الماء بالسيارات من التجارة المربحة، والغريب أن مواقع بيع الماء دائماً ما تكون بركاً وبحيرات ولا تخضع للرقابة، والماء هو الماء، سواء جاء من الشبكة أو من بئر تجارية، والسؤال للإخوة في وزارة المياه يقول: ألا يكفي أن بعض المواطنين لا يحصلون سوى على ماء مالح ليقطع عنهم؟ ولك أن تتخيل مثل هذا المواطن ولديه أدوات الترشيد ولكن من دون ماء، ويشاهد يومياً الحث على ضرورة استخدامها ولكن من دون ماء! ماذا يفعل بها هل يأكلها؟ وأعرف صديقاً يتصل بي مستعجلاً كل شهر تقريباً يدعوني لأرى مدى الازدحام على سيارات نقل المياه في بعض أحياء الرياض لأنقله للصحافة، وأصبح لدى المواطن العادي روتين يومي إذ يتسمع وينصت ليس إلى زقزقة العصافير ولا حتى إلى صوت سيارة جمع النفايات اللطيف، بل إلى صوت أنبوب البلدية، والسؤال اليومي في المنزل: “صبت البلدية أو ما صبت؟”.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط