“لا تحرص”

الآن فقط عرفت سبب عدم حرص كثير من الجهات الحكومية على ما ينشر، يشكو الجميع تقصيراً في هذا الشأن أو تلك القضية، ويرى المراقب من دون تشكيل “لجنة علمية متكاملة” وهو مغمض العينين، سبل الحلول، ولكن لا يفهم أسباب التقاعس وانتشار فيروس البطء.
علمت السبب من واقع مواقف رواها لي صديقي عن رفيقه. عرف هذا الرفيق بصدر رحب فسيح يشابه رحابة مكاتب الوزراء، وعرف أكثر بعدم الحرص، شعاره في الحياة  “الدنيا ملحوقة”، وبقدرة القادر الكريم تأتي الأمور لمصلحته مثل الوزراء تماماً.
من مواقفه تلك أنه اختار اثنين، قرر صاحبنا الحج وعند رمي الجمرات وسط الأمواج المتلاطمة من البشر، والناس يقولون “يا الله السلامة”، فقد هاتفه الجوال، ومن دون تذمر وشكوى، تذكر أنه لم يعد يحب “برج العرب”، وهو الاسم التسويقي لنوع جهازه، ووجد أن فقدانه فرصة كبيرة لشراء نوع جديد أكثر تطوراً، عملاً بتفحص النصف الممتلئ من كأس الماء، وبعد يوم من وصوله تلقى اتصالاً من مكة المكرمة، قال المتصل إنه وجد جهازه الضائع ثم أرسله له بواسطة النقل الجماعي، تصور وسط الملايين من الحجاج لا يقع الجهاز المفقود إلا في يد أمينة وحريصة، في بلاد تخطف فيها أجهزة الهاتف من الأيدي، فسبحان الله، وقبل أداء مناسك الحج وجد أنه بحاجة إلى حزام جلدي جديد يضعه فوق الإحرام، ليحفظ متعلقاته وماله، حزامه الجلدي القديم الذي يتحزم به أصبح ضيقاً ومضايقاً له، توقف عند أحد الباعة ورمى حزامه وأخذ يجرب الأحزمة المعروضة، هذا واسع وهذا ضيق، وهذا لونه غير مناسب، إلى أن وجد مقاساً مريحاً، بعد أن غادر قال لرفاقه أنه ترك حزامه القديم وسط المعروضات لدى البائع، المشكلة أنه نسي ما في داخله، وفيه ما فيه من بطاقات ومال… الخ، عاد إلى البائع وأخذ يفتش الأحزمة المعروضة، قال له البائع أن هناك من أتى بعده واشترى، ربما يكون الحزام المفقود يلتف حول وسط مشترٍ آخر، سلم الرجل أمره إلى الله، وعاد إلى رفاقه وفي الطريق تحسس الحزام الذي يلتف حول وسطه وفتحه فوجد بداخله كامل متعلقاته، فكان هو حزامه القديم نفسه.
لا تحرص… والذي لا يتحقق اليوم يتحقق غداً أو العام المقبل… فربما يكون لك حظ  مثل حظ صاحبنا، وقتها قد تعرف حقيقة بُعْدَ نظر كثير من الجهات الحكومية في بلادنا.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.