كان الناس يقنعون برأي الطبيب ويعتبرون كلامه مثل «فتوى» طبية، فهو الرأي الأتم كما يخط في المعاملات الرسمية، ثم أصبحوا يحتاجون إلى رأي طبيب آخر، وتطور الأمر إلى رأي ثالث، ومن يتيسر له أن يسافر إلى الخارج أو يرسل تقاريره لمزيد من الحيطة والحذر! وهذا لم يكن ليحدث لولا كثرة الأخطاء الطبية وأخطاء التشخيص، لأسباب كثيرة منها تجارة الطب وتزوير الشهادات ،لكن في حال احتياج مريض لطبيب نفسي المسألة تكون أصعب وأكثر تعقيداً.
ولأن العالم المتقدم يهتم بالإنسان ويبحث عن الأصلح، يطور باحثون في جامعات أميركية نظام كومبيوتر فريد من نوعه، يمكن من خلاله تقييم أداء الطبيب النفسي، الخبر الذي نشرته وسائل الإعلام قال: «إن الباحثين من جامعتي يوتا وواشنطن بصدد تطوير نظام كومبيوتر جديد يمكنه أن يقيّم للمستخدمين الأطباء النفسيين الذي يتعاملون معهم، فهو يعمل عن طريق استخدام التسجيلات الصوتية لجلسات العلاج النفسي، ولديه مجموعة من التقنيات المتطورة والبرامج الحديثة التي تمكنه من تقييم مستوى الطبيب ومدى صحة المعلومات والنصائح التي يقدمها للمريض»، وحسب الخبر لا يكتفي نظام الكومبيوتر هذا بالتقييم بل يتجاوزه إلى «كشف الأطباء الذين لا يقومون بعملهم بشكل جيد أو يخدعون المرضى».
والخدعة في الطب النفسي أكثر من غيره، لأنه يعتمد على مهارات شخصية في الإقناع وإيمان بنظريات وتحليل نفسي قد يقنعك بما ليس فيك، وهو يشبه في صورته من صورة الرقية الشرعية والطب الشعبي، للذمة هنا والأمانة دور كبير. للوهم هنا مساحة رحبة حتى ولو لم يكن متعمداً، يكفي أن يرسم الطبيب النفسي صورة عن «الحالة» التي أمامه ثم يلونها بالألوان التي تناسبه، ولكل لون سعر.
وإذا ما تم إنجاز برنامج التقييم للأطباء النفسيين هذا وتم اعتماده ثم وصل إلينا، أتوقع أننا سنكتشف الكثير من «الزيف»، ستكثر أخبار صحافية مشابهة لأخبار الشهادات الطبية المزيفة والمضروبة، وأتمنى على وزارة الصحة لدينا أن تتابع مراحل تقدم هذا «البرنامج»، لأن الطب النفسي لدينا لازال في الظل لم تسلط عليه الأضواء، و«النفسية» مع الحاجة لتقييم مستمر لها مرشحة للازدياد لأسباب اجتماعية واقتصادية، وإذا ما وضعنا في الاعتبار الحال السياسية العربية، يمكن تخيل مدى الحاجة المتوقعة. أيضاً ربما نكتشف أن برنامج التقييم هذا يصلح للتقييم النفسي الإداري، فمثلما أن الطب النفسي خاضع لتجارب الطبيب في عقل المريض، الإداري أيضاً يقوم بمثل ذلك في المجتمع ككل.