تخيل حاجاً أو سائحاً مع الانفتاح على السياحة وصل إلى جدة وسمع عن “بحيرة المسك”، تخيله يركب سيارة أجرة ليذهب إلى هناك أو يستفسر عن رحلات جماعية لشم المسك!
“بحيرة المسك!”، هو الاسم المتداول لتجمع مياه الصرف الصحي في جدة، ولست أعلم هل هو الاسم الرسمي؟ المؤكد أنه الاسم المتداول في الإعلام، كتبت عنه مرة، والأخ الكريم سعيد عبدالله الشهري من جدة دفعني للكتابة عنه مجدداً، إذ أرسل مستاء من هذه التسمية، أنا لا أراها تسمية بل تعمية! نغطي على بلاء كثير بأسماء حسنة، القارئ العزيز له وجه نظر مهمة، قبل أن أطرحها لكم أذكر جملة من استخدام الأسماء النظيفة، المصارف مثلاً لم تترك صفة كريمة إلا ووضعتها في صناديقها وحازت أسماء مشابهة لبعض تعاملاتها، ولم تسلم حتى أسماء أبواب الجنة من الاستخدام. إذا كان الاسم يدل على المسمى فلا بأس، وإذا كانت التسمية طموحاً للوصول إلى مضمون الصفة فلا بأس بها أيضاً، لكن التقويم مفقود، وكتبت في هذه الزاوية أكثر من مرة عن توجسي من استخدام الأسماء الرنانة، لأن أنفي مع كثرة الروائح الاصطناعية لم يعد يشم سوى رائحة التسويق الحادة. ذكرت وأعود لذكر مشروع “وطني” الذي طرحته وزارة التربية والتعليم في عهد سابق وتبخر ولم يعلق في الهواء منه سوى رائحة تشبه رائحة بحيرة المسك، تصور أن هذا هو حال “وطني” و “وطنك”، لا قدر الله تعالى.
لو أردت أن تطلق اسماً على مولود جديد فلا بد من أن تمر بجهة رسمية تقبل أو ترفض، وهذا أمر مفهوم لكنه لا ينطبق على تسميات أخرى، بل إن التسميات تجاوزت الحد لتنحط وتصل إلى عطر أطلق عليه “المسني” يباع للسيدات فيقول البائع للمتسوقة: أي عطر تريدين فتقول: “المسني”!
أعود لرؤية القارئ العزيز سعيد الشهري حول البحيرة، إذ ينبه إلى ورود المسك في القرآن الكريم، وإذا عدت إلى المصحف وقرأت الآية 25 وما بعدها من سورة المطففين، ستجد أن الأبرار، اللهم اجعلنا منهم،… “يسقون من رحيق مختوم *ختامه مسك” الآية.
ويستغرب القارئ الكريم أن يطلق اسم بهذه الصفة الجميلة… الطاهرة على بحيرة للصرف الصحي! وعلى بعد كيلومترات من مكة المكرمة، وأتفق معه في هذا وفي أن كثيراً من المسميات أصبحت تطلق لأجل التسويق أو التجمل، شكل من أشكال النفاق! ويقترح أن تسمى بحيرة التنقية أو شيء من هذا القبيل.
تخيل حاجاً يمكث في جدة، حافظاً للقرآن الكريم، يعرف ما المسك فيشاهد بل يشم البحيرة ماذا سيقول عن أهل القرآن! والقضية غير محصورة في اسم البحيرة فهي أكبر من ذلك لأنها تشير إلى خلل كبير في استخدام اللغة وأنها معروضة في المزاد.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط