إذا أردت نموذجاً سياسياً يعمل جاهداً على إشاعة الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة بل في العالم بصورة لا نبالغ إذا قلنا إنها صورة مثالية، فلا بد أن تلتفت إلى السعودية. يحسب لقادة هذه البلاد حرصهم على الابتعاد من الصراعات والمؤامرات السياسية الدولية، ويحسب لهم أنه ليس من السهولة بمكان استدراجهم لاتخاذ مواقف سياسية لا تعبر عن الثوابت التي تعلن عن التمسك بها القيادة السياسية السعودية دائماً.
الملف النوويّ الإيرانيّ المشتعل سياسياً والذي تجاهد الولايات المتحدة، وبقية الدول الغربية الكبرى، لحشد التأييد للتعامل معه بكل الوسائل ومن ضمنها خيارات المقاطعة والتدخل العسكري، هذا الملف الساخن غطى الحديث عنه على قضايا ملحة وخطرة في المنطقة، لعل أهمها محاولة خنق الشعب الفلسطيني وحكومته الجديدة.
السعودية في كل مناسبة تدعو إلى خلوّ المنطقة من الأسلحة النووية استشعاراً لخطورة هذا الأمر على الإنسان وعلى المنطقة، ولأنه قد يجرّ إلى سباق تسلح نشاهد حالياً بعضاً من نتائجه، والسعودية من أولى الدول الموقعة على اتفاق الحدّ من انتشار الأسلحة النووية، وأعلنت مراراً وتكراراً أن اقتناء هذه الأسلحة ليس من خياراتها الاستراتيجية، وترفض وجودها في المنطقة، على رغم الأخبار المختلقة هنا وهناك، لكن محاولات سحب السعودية لاتخاذ مواقف تتعارض مع مصالحها الوطنية وتؤثر في علاقاتها الإقليمية محاولات مستمرة، من هنا تأتي الحكمة السعودية، وهي تجلت في تصريحات ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز، حفظه الله، قبل فترة إلى الصحافيين السعوديين. توقعت أن يتم تناول هذه التصريحات بالتحليل والتعليق، خصوصاً ممن حضر ذلك اللقاء، لأهميتها، ولكون الملف الإيراني ساخناً ومعروضاً للمناقشة في مجلس الأمن، ولأنه ملف يمسّ بلادنا عن قرب، ولأن فريق المحافظين الجدد الذي يقود السياسة الخارجية “المتهورة” في الولايات المتحدة يدفعون هذا الملف دفعاً للاشتعال. توقعت أن يحظى هذا التصريح بما يستحقه إعلامياً لأهميته، وفي هذا الظرف بالذات، ولكن…؟
ماذا قال الأمير سلطان بن عبدالعزيز؟
ولي العهد السعودي صرح إلى الصحافيين السعوديين قبل فترة قريبة، وفي إجابة عن سؤال عن تطلعات الحكومة الإيرانية إلى الحصول على القدرات النووية، قال الأمير سلطان: “إنه ليس من المصلحة أن نوضع الآن في موقف ضدّ إيران، بينما إسرائيل تمتلك السلاح النووي”. وهنا نرى بُعد النظر والحكمة في السياسة السعودية، وقد كانت هناك محاولات كثيرة لجرّ السعودية إلى اتخاذ مواقف لا تتناسب مع مصلحتها، لأنه لا يمكن التغاضي عن أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها دويلة توسعية وخطرة مثل إسرائيل، فهي، ومَن يقوم بالحروب نيابة عنها، مَن جرّ المنطقة إلى سباق تسلح وصل إلى البحث عن أسلحة الدمار الشامل، وهي نموذج صارخ لسياسة الكيل بمكيالين التي تمارسها واشنطن، فلو كانت حريصة على المنطقة واستقرارها لقامت بفتح ملف إسرائيل النوويّ المسكوت عنه عمداً إلى جانب الملف الإيرانيّ.
وكم سررت بالتغطية الصحافية المتميزة لـ “الحياة” التي واكبت الجولات السعودية في دول شرق آسيا من زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى كل من الصين والهند وماليزيا وباكستان ثم زيارة ولي العهد الأمير سلطان إلى اليابان وسنغافورة وباكستان.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط