في تقديري أن وظيفة المستشار أصعب وظيفة على الإطلاق. وكلما كان مستشاراً لجهة مهمة، عدد المنتظرين لخدماتها أكبر والمتلهفون لقراراتها أكثر، تصبح وظيفة أكثر صعوبة، بل هي حِمْل ثقيل. تأتي الصعوبة من أن الاستشارة عملة نادرة لها وجهان، هما الأمانة والوفاء. ولو أبحرنا في معنى الوفاء، لوجدناه شجرة جذورها الأمانة. ولو دققنا في معنى الأمانة، لوجدناها من ثمار شجرة الوفاء. والوزارة من الاستشارة، وهي أكبر إلا أنها متخصصة في شأن ما. هناك وزير لهذا الشأن، وآخر لذلك الشأن، أما المستشار فقد يستشار في أمور متعددة، فهو مستقل عن أثقال الأجهزة البيروقراطية ودهاليزها ومقايضاتها، كما يفترض ويتوقع. ومن هنا يكون دوره أكبر، وأعظم تأثيراً. ويَنْتَظِر منه مَنْ يستشيره أكثر من غيره، وينظر إليه الناس على أنه كذلك، فهو أقرب… ولديه من المساحة ما هو أرحب. وعلى عكس ما جرت عليه العادة في دول العالم الثالث من أن وظيفة المستشار هي وظيفة “المركون”، فيوضع فيها من يحفظ على الرف إلى حين، فهي في رأيي المتواضع، ومهْما كانت الأوضاع الراهنة والشللية المقيتة قيمة كبيرة، يأتي كبرها من قيمة مقام الاستشارة والوفاء لمن استأمن وائتمن وأعطى الثقة، ولا ننسى أنها جمعت في معانيها الوفاء والأمانة.
وقد استوقفني هذا المسمى “الوزير الناصح”، وأول ما علمت عنه من زيارة لمسؤول سنغافوري إلى المملكة، عرفته وسائل الإعلام بهذا المسمى “الوزير الناصح”، والناصح هنا بحسب فهمي المتواضع من النصيحة، وليست من “النصاحة” التي يعبر بها إخواننا “الأشوام” عن البدانة. أعجبني المسمى، وقررت من زمن أن أكتب عنه، وجاء وقته، فلماذا يطلق عليه هذا الاسم؟ على رغم أنني أعتقد مثلكم بأن كل الوزراء، كما تفترض مسؤولية الأمانة، من الناصحين لرئيسهم ومن أعطاهم ثقته، وبالتالي لشعوبهم. ولأن ثقافتي في الشأن السنغافوري ضئيلة، ولا تتعدى العقاب على مضغ اللبان في الميادين والحدائق، فإنني أطمع في أن يضيء تلافيف عقلي من يعلم لماذا أطلق هذا الاسم “الوزير الناصح”، وما مهمته العملية التي يباشرها؟
أعود إلى وظيفة المستشار، فهو المؤتمن على النصيحة في وقتها، ولا يعني هذا أن يتحول إلى “نشبة” و “علة باطنية”، يقفز عند كل صغيرة وكبيرة. لكن أيضاً هذا لا يعني أن يكون صدًى لمن حوله، فيردد وجهات نظرهم عند غيابهم. والأخطر من هذا كله أن يتحول المستشار إلى “فلتر” يصفِّي الحقائق اعتقاداً منه بأنها شوائب، فيشرب الناس ماء ملوثاً.
تأمل معي جمال وعمق هذا المسمى “الوزير الناصح”. وابحث معي عن سبب التسمية السنغافورية.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط